فصل: وفي هده السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **


 وفي هده السنة

بنابلس صام الحنابلة شهر رمضان على عادتهم بالاحتياط واستكمل الشافعية وغيرهم شعبان وصاموا‏.‏

فلما أتم الحنابلة ثلاثين يوماً أفطروا وعيدوا وصلوا صلاة العيد و لم ير الهلال‏.‏

فصام الشافعية والجمهور ذلك النهار وأصبحوا فافطروا وعيدوا وصلوا صلاة العيد‏.‏

فأنكر نائب الشام على متولي نابلس كيف لم يجتمع الناس على يوم واحد ولم يسمع‏.‏

بمثل هذه الواقعة‏.‏

واتفق أيضاً أن أهل مدينة غرناطة بالأندلس صاموا شهر رمضان ستة وعشرين يوماً وذلك أن الغيوم تراكمت عندهم عدة أشهر قبل رمضان فلما كانت ليلة السابع والعشرين طلعوا المأذنة ليقدوها على العادة فإذا الغيوم قد أقلعت وظهر الهلال فافطروا‏.‏

وفيها سخط الأمير بيبرس الجاشنكير على كاتبه المعلم المناوي من أجل فراره إلى غزة في وقت الواقعة وطلب أبا الفضائل أكرم النصراني كاتب الحوائج خاناه وألزمه حتى أسلم وخلع عليه وأقره في ديوانه فزادت رتبته حتى صار إلى ما يأتي ذكره أن شاء الله وعرف بكريم الدين الكبير‏.‏

وفيها قام الأمير بيبرس الجاشنكير في إبطال عيد الشهيد بمصر‏:‏ وذلك أن النصارى كان عندهم تابوت فيه إصبع يزعمون إنه أصبع بعض شهدائهم وأن النيل لا يزيد ما لم يرم فيه التابوت فتجتمع نصارى أرض مصر من سائر الجهات إلى ناحية شبرا ويخرج أهل القاهرة ومصر وتركب النصارى الخيول للعب ويمتلي البر بالخيم والبحر بالمراكب المشحونة بالناس ولا يبقى صاحب غناء ولا لهو حتى يحضر وتتبرج زواني سائر البلاد‏.‏

ويباع في ذلك اليوم من الخمر بنحو مائة ألف درهم حتى إنه في سنة باع رجل نصراني بمائتين وعشرين ألف درهم خمراً فكان أهل شبرا يوفون الخراج من ممن الخمر وتثور في هذا اليوم الفتن ويقتل عدة قتلى فأمر الأمير بيبرس بإبطال ذلك وألا يرمى التابوت في النيل وأخرج الحجاب والولي حتى منعوا الناس من الاجتماع بعد أن كتب إلى جميع الولاة بالنداء إلا يحرج أحد إلى عمل عيد الشهيد‏.‏

فشق ذلك على النصارى واجتمعوا مع الأقباط الذين أظهروا الإسلام وصاروا إلى التاج بن سعيد الدولة لتمكنه من الأمير بيبرس فصار إليه وخيله من انكسار الخراج بإبطال العيد ومن عدم طلوع النيل فلم يلتفت إليه وصمم على إبطاله فبطل‏.‏

وفيها جهز صاحب سيس مراكب إلى نحو قبرص فيها بضائع قيمتها قريب من مائة ألف دينار فألقاها الريح على مينة دمياط فأخذت برمتها‏.‏

وفيها قدم الخبر بقحط بلاد تقطاي مدة ثلاث سنين ثم أعقبه موتان في الخيل والغنم حتى فنيت و لم يبق عندهم ما يؤكل فباعوا أولادهم وأقاربهم للتجار فقدموا بهم إلى مصر وغيرها‏.‏

وفيها كانت الزلزلة العظيمة‏:‏ وذلك إنه حصل بالقاهرة ومصر في مدة نصب القلاع والزينة من الفساد في الحريم وشرب الخمور ما لا يمكن وصفه من خامس شهر رمضان إلى أن قلعت في فلما كان يوم الخميس ثالث عشرى ذي الحجة‏:‏ عند صلاة الصبح اهتزت الأرض كلها وسمع للحيطان قعقة وللسقوف أصوات شديدة وصار الماشي يميل والراكب يسقط حتى تخيل الناس أن السماء أطبقت على الأرض فخرجوا في الطرقات رجالاً ونساء قد أعجلهم الخوف والفزع عن ستر النساء وجوههن واشتد الصراخ وعظم الضجيج والعويل وتساقطت الدور وتشققت الجدران وتهدمت مأذن الجوامع والمدارس ووضع كثير من النساء الحوامل ما في بطونهن وخرحت رياح عاصفة ففاض ماء النيل حتى ألقى المراكب التي كانت بالشاطئ قدر رمية سهم وعاد الماء عنها فصارت على اليبس وتقطعت مراسيها واقتلع الريح المراكب السائرة في وسط الماء وحذفها إلى الشاطئ‏.‏

وفقد للناس من الأموال شيىء كثير‏:‏ فإنهم لما خرجوا من دورهم فزعين تركوها من غير أن يعوا على شيىء مما فيها فدخلها أهل الدعارة وأخذوا ما أحبوا‏.‏

وصار الناس إلى خارج القاهرة وبات أكثرهم خارج باب البحر ونصبوا الخيم من بولاق إلى الروضة‏.‏

و لم تكد دار بالقاهرة ومصر تسلم من الهدم أو تشعث بعضها وسقطت الزروب التي بأعلى الدور و لم تبق دار إلا وعلى بابها التراب والطوب ونحوه‏.‏

وبات الناس ليلة الجمعة بالجوامع والمساجد يدعون الله إلى وقت صلاة الجمعة‏.‏وتواترت الأخبار من الغربية بسقوط جميع دور مدينة سخا حتى لم يبق بها جدار قائم وصارت كوماً وأن ضيعتين بالشرقية خربتا حتى صارتا كوماً‏.‏

وقدم الخبر من الإسكندرية بأن المنار انشق وسقط من أعلاه نحو الأربعين شرفة وأن البحر هاج وألقى الريح العاصف موجه حتى وصل باب البحر وصعد بالمراكب الإفرنجية على البر وسقط جانب كبير من السور وهلك خلق كثير‏.‏

وقدم الخبر من الوجه القبلي بأن في اليوم المذكور هبت ريح سوداء مظلمة حتى لم ير أحد أحدا قدر ساعة ثم ماجت الأرض وتشققت وظهر من تحتها رمل أبيض وفي بعض المواضع رمل أحمر وكشطت الريح مواضع من الأرض فظهرت عمائر قد ركبها السافي وخربت مدينة قوص وأن رجلاً كان يحلب بقرة فارتفع في وقت الزلزلة وبيده المحلب وارتفعت البقرة حتى سكنت الزلزلة ثم انحط إلى مكنه من غير أن يتبدد شيىء من اللبن الذي في المحلب‏.‏

وقدم الخبر من البحيرة أن دمنهور لوحش لم يبق بها بيت عامر‏.‏

وخرب من المواضع المشهورة جامع عمرو بن العاص بمصر فالتزم الأمير سلار النائب بعمارته‏.‏

وخربت أكثر سواري الجامع الحاكمي بالقاهرة وسقطت مأذنتاه فالتزم الأمير بيبرس الجاشنكير بعمارته وخرب الجامع الأزهر فالتزم الأمير سلار بعمارته أيضاً وشاركه فيه الأمير سنقر الأعسر‏.‏

وخرب جامع الصالح خارج باب زويلة فعمر من الخاص السلطاني وتولى عمارته الأمير علم الدين سنجر‏.‏

وخربت مأذنة المنصورية فعمرت من الوقف على يد الأمير سيف الدين كهرداش الزراق‏.‏

وسقطت مأذنة جامع الفكاهين‏.‏

وكتب بعمارة ما تهدم بالإسكندرية فوجد قد إنهدم من السور ست وأربعون بدنة وسبعة عشر برجاً فعمرت‏.‏

وقدم البريد من صفد أنه في يوم الزلزلة سقط جانب كبير من قلعة صفد وأن البحر من جهة عكا انحسر قدر فرسخين وانتقل عن موضعه إلى البر فظهر في موضع الماء اشياء كثيرة في قعر البحر من أصناف التجارة وتشققت جدر جامع بنى أمية بدمشق‏.‏

واستمرت الزلزلة خمس درج إلا أن الأرض أقامت عشرين يوماً ترجف وهلك تحت الردم خلائق لا تحصى‏.‏

وكان الزمان صيفاً فتولى بعد ذلك سموم شديدة الحر عدة أيام‏.‏

واشتغل الناس بالقاهرة ومصر مدة في رم ما تشعث وبني ما هدم وغلت أصناف العمارة لكثرة طلبها فإن القاهرة ومصر صارت بحيث إذا رآها الإنسان يتخيل أن العدو أغار عليها وخربها فكان في ذلك لطف من الله بعباده فإنهم رجعوا عن بعض ما كانوا عليه من اللهو والفساد أيام الزينة وفيهم من أقلع عن ذلك لكثرة توارد الأخبار من بلاد الفرنج وسائر الأقطار‏.‏

مما كان من هذه الزلزلة‏.‏واتفق فيها من الأمر العجيب أن الأمير بيبرس الجاشنكير لما رم ما تشعت من الزلزلة بالجامع الحاكمي وجد في ركن من المأذنة كف إنسان بزنده قد لف في قطن وعليه أسطر مكتوبة لم يدر ما هي والكف طرى‏.‏

ونبشت دكان لبان مما سقط في الزلزلة فإذا أخشابها قد تصلبت على اللبان وهو حي وعنده جرة لبن يتقوت منها مدة أيام فأخرج حيا لم يمسه سوء‏.‏

وفي هده السنة‏:‏ استقر في نيابة صفد الأمير سنقر شاه المنصوري عوضاً عن بدخاص وأنعم على بدخاص بإمرة بديار مصر‏.‏

ونقل قبجق من نيابة الشوبك إلى نيابة حماة عوضاً عن العادل كتبغا بعد موته‏.‏

واستقر بلبان الجوكندار في نيابة حمص بعد موت سيف الدين البكي‏.‏

ثم استعفي بلبان فولى عز الدين أيبك الحموي نائب قلعة دمشق عوضه واستقر عوضه في نيابة قلعة دمشق بيبرس التلاوي‏.‏

وبلغ النيل ثمانية عشر ذراعاً‏.‏

ومات في هذه السنة ممن له ذكر برهان الدين إبراهيم بن فلاح بن محمد بن حاتم السكندري الشافعي في رابع عشرى شوال بدمشق ومولده بالإسكندرية سنة ست وثلاثين وستمائة وكان مشهوراً بالعلم والديانة ناب في خطابة جامع بنى أمية وباشر الحكم مدة بدمشق ودرس بها وأفاد زماناً‏.‏

ومات كمال الدين أحمد بن أبي الفتح بن محمود بن أبي الوحش أسد بن سلامة ببن سلمان بن فتيان المعروف بابن العطار أحد كتاب الدرج بدمشق في رابع عشرى ذي القعدة ومولده سنة ست و عشرين وستمائة وكان كثير التلاوة للقرآن محباً لسماع الحديث وحدث وكان صدراً كبيراً فاضلا له نظم ونثر وأقام يكتب الدرج أربعين‏.‏

ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن برهان الدين إبراهيم بن معضاد الجعبري بالقاهرة في‏.‏

ومات الأمير فارس الدين البكي الساقي أحد ممالك الظاهر بيبرس تنقل في الخدم حتى صار من أمراء مصر ثم اعتقل إلى أن أفرج عنه المنصور قلاوون وأنعم عليه بإمرة ثم ولاه نيابة صفد فأقام بها عشر سنين وفر مع قبجق إلى غازان وتزوج أخته ثم قدم مع غازان ولحق بالسلطان فولاه نيابة حمص حتى مات بها يوم الثلاثاء ثامن ذي القعدة‏.‏

وكان مليح الشكل ما جلس قط بغير خف وإذا ركب ونزل حل جمداره شاشه فإذا أراد الركوب لفه مرة واحدة كيف جاءت ويركب ولا يعيد لفة الشاش مرتين أبداً‏.‏

واستشهد بوقعة شقحب عز الدين أيدمر العزي نقيب المماليك السلطانية وهو من مماليك عز ومات الأمير أيدمر الشمسي القشاش وكان قد ولى الغربية والشرقية جميعاً واشتدت مهابته وكان يعذب أهل الفساد بأنواع قبيحة من العذاب منها أنه كان يغرس خازوقاً ويجعل محدده قائماً وبجانبه صار كبير يعلق فيه الرحل ثم يرسله فيسقط على الخازوق فيدخل فيه ويخرج من بدنه و لم يجرؤ أحد من الفلاحين بالغربية والشرقية في أيامه أن بلبس مئزراً أسود ولا يركب فرساً ولا يتقلد سيفاً ولا يحمل عصا محلية بحديد وعمل بها الجسور والترع وأتقنها وأنشأ جسراً بين ملقة صندفا وأرض سمنود عرف بالشقفي فرآه بعد أن استشهد بمدة قاضي المحلة في النوم فقال له‏:‏ سامحني الله وغفر لي بعمارة حسر الشقفي وكان قد فلج واستعفي من الولاية ولزم بيته وخرج لغزوة شقحب في محفة إلى وقت القتال فلبس سلاحه وركب وهو في غابة الألم فقيل له‏:‏ إنك لا تقدر فقال‏:‏ والله لمثل هذا اليوم أنتظر وإلا إيش بتخلص القشاش من ربه بغير هذا وحمل على العدو وقاتل فقتل ورأى فيه ست جراحات‏.‏

ومات الأمير حسام الدين أوليا بن قرمان أحد الأمراء الظاهرية وهر ابن أخت قرمان - وعروف بابن قرمان - وكان شجاعاً‏.‏

ومات الأمير عز الدين أيبك أستادار‏.‏

ومات الأمير عز الدين أيدمر الرفا المنصوري‏.‏ومات الأمير سيف الدين بهادر الدكاجكي أحد الأمراء بحماة‏.‏

ومات صلاح الدين بن الكامل‏.‏

ومات علاء الدين بن الجاكي‏.‏

ومات الشيخ نجم الدين أيوب الكردي وكان قد قدم إلى دمشق سنة سبع وثمانين وستمائة في طائفة من الأكراد واعتقده الأمراء وحملوا إليه المال فكان يتصدق به ثم قدم إلى القاهرة وخرج مع السلطان وقاتل بشقحب حتى قتل‏.‏

ومات الأميرشمس الدين سنقر الشمسي الحاجب‏.‏

ومات سنقرالكافري أحد الأمراء‏.‏

ومات سنقرشاه أستادارالجانق‏.‏

ومات حسام الدين على بن باخل أحد أمراء العشراوات‏.‏

ومات لاجين الرومي المنصوري أستادار المنصور قلاوون ويعرف بالحسام أستادار وكان دينا خيراً حشماً سمع الحديث‏.‏

ومات الأمير شمس الدين سنقر العنتابي بدمشق ليلة الجمعة ثاني عشر ذي القعدة‏.‏

ومات العادل كتبغا بحماة ليلة الجمعة يوم عيد الأضحى وهو في سن الكهولة وكان دينا خيراً أسمر اللون قصيراً دقيق الصوت قصير العنق شجاعاً سليم الباطن متواضعاً وهو من جنس المغل وكان قد طال مرضه واسترخى حتى لم يقدر على حركة يديه ورجليه وترك اولاداً‏.‏

فولى نيابة حماة بعده الأمير سيف الدين قبجاق المنصوري وقد نقل إليه من نيابة الشوبك‏.‏

ومات الشيخ تقي الدين محمد بن مجد الدين على بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المعروف بابن دقيق العيد في يوم الجمعة حادي عشر صفر عن سبع وسبعين سنة وهو على قضاء القضاة ومولده في خامس عشرى شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة‏.‏

 سنة ثلاث وسبعمائة

فيها انتدب الأمراء لعمارة ما خرب من الجوامع بالزلزلة وأنفقوا فيها مالا جزيلاً‏.‏

وقدم الأمير برلغي الأشرفي من الحجاز وشكى من قلة مهابة الشريفين أبي الغيث وعطيفة وكثرة طمع العبيد في المجاورين بمكة‏.‏

فأفرج عن الشريفين حميضة ورميثة من السجن وأحضرا إلى المجلس السلطاني وخلع عليهما بكلفتانزركش فلم يلبسها حميضة إلا بعد التمنع والتهديد بالعود إلى الحبس‏.‏

وأجلسا فوق جميع الأمراء ونزلا إلى منازلهما وحمل إليهما سائر ما يحتاجان إليه وهاداهما الأمراء وأجريت لهما الرواتب والجرايات والكسوات وركبا مع وفيها سارت العساكر من القاهرة للغارة على بلاد سيس وعليهم الأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح ومعه الأمير علم الدين سنجر الصوابي والأمير شمس الدين سنقر شاه المنصوري ومضافيهم وكتب إلى طرابلس وحماة وصفد وحلب بخروج العساكر إليها‏.‏

فوصل الأمير بدر الدين بكتاش إلى دمشق في ثاني عشر رمضان وخرج منها بعسكر دمشق فسار إلى حلب وأتته عساكر البلاد فمرض وأقام بحلب وسار ابنه بالعساكر وحرقوا مزارع سيس وخربوا الضياع وأسروا أهلها ونازلوا تل حمدون وقد امتنع بقلعتها جماعة كثيرة من الأرمن فقاتلوهم حتى فتحت بالأمان وأخذوا منها ستة ملوك من ملوك الأرمن‏.‏

فشق ذلك على تكفور ملك سيس وقصد نكاية الملوك على تسليمهم قلعة تل حمدون بالأمان وكتب إلى نائب حلب بأن ملوك القلاع هم الذين كانوا يمنعون من حمل الخراج فلا تفرجوا عن أحد منهم فليس عندي من يزن المال سواهم‏.‏

فأمر النائب بقتلهم فضربت رقاب الملوك الخمسة وأسلم منهم صاحب قلعة نجيمة والتزم بأخذ سيس فحمل إلى مصر وكتب صحبته بعود العساكر بالغنائم فسر الأمراء والسلطان بذلك وأكرم صاحب قلعة نجيمة وكتب بعود العساكر‏.‏

وقدم البريد بموت الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب حمص فكتب بلبان الجوكندار نائب قلعة دمشق باستقراره في نيابة حمص وتوجه إليها في ثامن عشرى جمادى الأولى وولى عوضه نيابة وفيها وقع موتان في الخيول ببلاد الشام فمات من حلب ودمشق نحو الثمانين ألف فرس وفشا الموتان في خيول مصر أيضاً فهلك كثير منها‏.‏

ووقع ببلاد الساحل جراد كثير وفيها ارتفعت أسعار الغلال بمصر وبلغ الأردب القمح أربعين درهماً لتقاصر زيادة النيل ثم انحط السعر عن قليل وأبيع بخمسة وعشرين درهماً‏.‏

وفيها سار الأمير بدر الدين جنغلي بن شمس الدين البابا أحد مقدمي التتار وافداً إلى الأبواب السلطانية بأهله وأتباعه فلما قدم البريد بمسيره كتب إلى نائب حلب فتلقاه وبالغ في إكرامه وتلقاه نائب دمشق ودخل به في حادي عشر ذي القعدة‏.‏

ومازالت الإقامات تتلقاه حتى قدم إلى القاهرة فخرج الأمير بيبرس الجاشنكير إلى لقائه ومعه الأمراء إلى قبة النصر وصعد به إلى أن قبل الأرض بين يدي السلطان في ثالث ذي الحجة وأنزل في دار بقلعة الجبل‏.‏

وفيها أخرج الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهري على إمرة بصفد وأنعم على جنغلي بإمرته - وهى طبلخاناه وكتب له بزيادة مائة ألف درهم‏.‏

ثم نقل إلى إمرة مائة وأنعم على أمير على من ألزامه بإمرة عشرة وعلى نيروز من ألزامه بتقدمة ألف وبعث الأمراء إليه بالهدايا‏.‏

وفيها قدم رسول ملك الفرنج الريدراكون البرشلوني بهدية جليلة القدر للسلطان وللأمراء وسأل فتح كنائس النصارى فأجيب إلى ذلك وفتحت كنيسة اليعاقبة بحارة زويلة وكنيسة

الملكيين بالبندقانيين‏.‏

وجهز جوابه مع فخر الدين عثمان أستادار الأمير عز الدين الأفرم فاقترض نحو الستين ألف درهم وبالغ في التجمل‏.‏

فلما كان وقت السفر دفع الرسل ملطفاً من ملكهم إلى السلطان يسأل في فك رجل ممن أسر بجزيرة أرواد فأفرج عنه وسار معهم إلى الإسكندرية فبعث بعض الأسرى يعرف السلطان بأن‏:‏ هذا الذي أفرج عنه ابن ملك كبير ولو أردتم فيه مركباً ملآن بالذهب لحمله إليكم في فكه فكتب برده فعاد من الإسكندرية وقيد على ما كان‏.‏

وركب الرسل البحر حتى إذا أبعدوا عن الإسكندرية أنزلوا الأمير فخر الدين عثمان في قارب وأمروه بالعود وأخذوا كل ما معه‏.‏

فألقاه الريح على ساحل الإسكندرية وحمل إلى مصر فشكا إلى الأمراء أن الذي أخذ له دين عليه فلم يلتفت أحد إليه وكتب إلى الإسكندرية بإيقاع الحوطة على من يرد من فرنج برشلونة‏.‏

وفيها كملت عمارة المدرسة الناصرية بين القصرين‏.‏

وفيها نقل السلطان أمه من التربة المجاورة للمشهد النفيسي إلى التربة الناصرية بين القصرين وموضع هذه المدرسة الناصرية كان داراً عرفت أخيراً بالأمير سيف الدين بلبان الرشيدي فاشتراها الملك العادل كتبغا وشرع في بنائها مدرسة وعمل بوابتها من أنقاض مدينة عكا وهى بوابة كنيسة بها‏.‏

فلما حضرت هذه البوابة إلى القاهرة - مع الأمير علم الدين الدواداري متولي تخريب عكا وصور وعثليث وغيرها من القلاع التي فتحها الملك الأشرف خليل بن قلاوون - أخذها الأمير بيدرا وقتل وهي على حالها فعملها كتبغا على هذه المدرسة‏.‏

وخلع كتبغا قبل أن تكمل فاشتراها السلطان على يد قاضي القضاة رين الدين محلى بن مخلوف وأتمها وعمل لها الأوقاف الجليلة ومن جملتها قيسارية أمير على بخط الشرابشيين والربع المعروف بالدهشة قريباً من باب زويلة وحوانيت بباب الزهومة والحمام المعروفة بالفخرية بجوار المدرسة السيفية ودار أم السلطان وحمامي الشيخ خضر بظاهر القاهرة بخط بستان ابن صيرم والجامع الظافري ودار الطعم خارج مدينة دمشق‏.‏

ورتب بها قاضي القضاة زين الدين على بن مخلوف مدرس المالكية وقاضي القضاة شمس الدين احمد السروجي مدرس الحنفية وقاضي القضاة شرف الدين عبد الغني الحراني مدرس الحنابلة وصدر الدين محمد بن المرحل مدرس الشافعية‏.‏

وفيها ولد للسلطان من زوجته أردكين الأشرفية ابن على ولقبه بالملك المنصور وعمل له مهما أراد أن يستمر سبعة أيام فلم يوافقه الأمراء على ذلك وعمل يوماً واحداً وفيها شرع الأمير سلار النائب في التجهيز إلى الحجاز‏.‏

وفيها تشاجر الوزير عز الدين أيبك البغدادي وناصر الدين محمد بن الشيخي متولي الجيزة وسببها تعاظم ابن الشيخي على الوزير وانحصار الأقباط منه لوفور حرمته وشدة ضبطه فاتفقوا مع الوزير على أن يحققوا في جهته وجهات مماليكه من الأموال الديوانية مبلغاً كثيراً فتحدث الوزير في ذلك مع الأمير سلار النائب لعلمه بكراهته في ابن الشيخي‏.‏

فطلب ابن الشيخي والدواوين وحضر الأمراء وانتدب لمحاققته التاج الطويل مستوفي الدولة‏.‏

وأفحش التاج الطويل في مخاطبته وهو يخرج مما يلزم به بحجج يظهرها ثم اشتد حنقه وقام على قدميه وقال‏:‏ وحق نعمة مولانا السلطان هؤلاء‏!‏ الأقباط أكلوا الأموال وإن تسلمتهم لآخذن منهم للسلطان ثلاثمائة ألف دينار أكتب بها خطي‏.‏

فقال له التاج‏:‏ صرت أنت تأمر وتنهي يا ناصر الدين ولو طلعت رأسك في السماء كنت عندي ضامناً بتقارير مكتتبة عليك كسائر الضمان‏.‏

فغضب الأمير بيبرس الجاشنكير وقال للتاج‏:‏ والك ما كفي كذبكم حتى تجعل أميراً مثل ضامن والله ما يأكل مال السلطان غيركم وأمر بإقامته من المجلس‏.‏

وقال الأمير بيبرس لابن الشيخي‏:‏ إيش قلت تحمل من جهة هؤلاء ماقلت قال‏:‏ نعم‏!‏ فرسم للوزير والحجاب بجمع الدواوين وتسليمهم له وانفضوا فلم يبت أحد من الكتاب عنده فا خلا ناظري الدولة وهما تاج الدين عبد الرحيم بن السنهوري وشهاب الدين غازي بن الواسطي وألزمهم بعمل حساب الدولة لثلاث سنين وضيق عليهم وأهان التاج الطويل ونكل به‏.‏

وأخذ التاج بن سعيد الدولة في مساعدة ابن الشيخي وصار يأتيه في الليل ويرتبه طهر في جهة الكتاب شىء كثير فشكره بيبرس وعرف الأمراء بذلك فرعوا له بعقوبة الكتاب واستخراج المال منهم فقام الشهاب بن الواسطي في الحط على ابن الشيخي قياماً زائداً وقال‏:‏ يا أمراء‏!‏ هذا ما يحل وما بلغ قدر هذا الرجل بالأمس وهو في دكان يخيط الأقباع ثم فقير دائر يستعطي ثم ضامن في ساحل الغلة قد صار في حفدة ومماليك وعمل ولاية القاهرة بأقبح سيرة‏.‏

فبلغ ذلك ابن الشيخي فأوقع الحوطة عليه وسأل الأمير بيبرس فيه فسلمها له فلما دخل عليه مع الرسل أخرق به وأمر أن يعرى من ثيابه فمازال به الحاضرون حتى عفا عنه من خلع ثيابه وضربه تحت رجليه ثلاث ضربات‏.‏

ثم خاف العاقبة فأكرم ابن الوسطي وتلطف به وبالكتاب وحمل منهم ثلاثمائة ألف درهم وأفرج عنهم بعد مشاورة الأمير بيبرس‏.‏

فشق ذلك على الوزير وسعى في السفر إلى الحجاز مع الأمير سلار فأجيب إلى ذلك‏.‏

وسعى ابن الشيخي بالأمير بكتمر أمير جندار والأمير برلغي وينجار ووعدهم أنه يؤجرهم البلاد والدواليب ويقوم عنهم بكلفها وأهدى إليهم حتى ملأ أعين أعدائه وأصدقائه وعمل للأمير سلار من ألات السفر شيئاً كثيراً ومازال يسعى بحاشية سلار وهو يمتنع من إجابتهم ويردهم أقبح رد لبغضه فيه حتى خدعوه وأجاب‏.‏

فاستقر ابن الشيخي في الوزارة يوم الإثنين تاسع عشر شوال بغير رضا سلار إلا أنه لم يجد بداً من ولايته‏.‏

ونزل في موكب عظيم إلى داره بجوار المشهد الحسيني من القاهرة وتعاظم على الناس تعاظماً زائداً‏.‏

وفيها سار الأمير سلار النائب إلى الحجاز ومعه نحو الثلاثين أميراً‏:‏ منهم سنقر الكمالي الحاجب وعلم الدين سنجر الجاولي وسنقر الأعسر وكوري وسودي وبكتوت القرماني وبكتوت الشجاعي والطواشي شهاب الدين مرشد‏.‏

وتأخر الأمير سلار بعد خروج الركب مع الأمير سيف الدين أناق الحسامي أمير الركب وبعث إلى الحجاز في البحر عشرة آلاف أردب غلة وبعث سنقر الأعسر ألف أردب وبعث سائر الأمراء القمح للتفرقة في أهل الحرمين فعم النفع بهم‏.‏

وفيها ورد الخبر بموت غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو ملك المغل في ثالث عشر شوال بنواحي الري من مرض حاد وكانت مدته ثمان ستين وعشرة أشهر‏.‏

وقام بعده أخوه خدا بندا بن أرغون وجلس على تخت الملك في ثالث عشرى ذي الحجة وتلقب بغياث الدين محمد وكتب إلى السلطان بجلوسه وطلبه للصلح وإخماد الفتنة وسير إليه رسله‏.‏

وفيها توجه الوزير ناصر الدين محمد بن الشيخي إلى الإسكندرية وألزم المباشرين بعمل الحساب‏.‏

وكان متحصل الإسكندرية لا ينال ديوان السلطان منه إلا القليل فإن الأمراء بيبرس وسلار وبرلغي والجوكندار ما منهم إلا من له بها نائب يتحدث في المتجر‏.‏

فقام نائب الإسكندرية ومنع الوزير من التحدث حتى يحضر الأمير سلار من الحجاز فاتفق وصول مركب بمتجر للفرنج بلغ موجبه أربعين ألف د ينار‏.‏

وفيها خرج السلطان إلى البحيرة للصيد وقد عبأ له الوزير الإقامات‏.‏

ونزل السلطان بتروجة واستدعى شهاب الدين أحمد بن عبادة الذي أقامه قاضي القضاة زين الدين على بن مخلوف وصى السلطان وكيلا على جباية أموال أملاك السلطان ونائباً عنه لاشتغاله بوظيفة القضاء‏.‏

وطلب السلطان منه دراهم يشتري بها هدية من الإسكندرية فلم يجد عنده من مال السلطان ما يكفيه فبعثه ليقترض من تجار الإسكندرية مبلغاً‏.‏

فاجتمع ابن عبادة بالوزير وشكا له ما فيه السلطان من الضيق والحاجة وأنه حضر ليقترض له من التجار ما يشتري به هدية لجواريه ونسائه‏.‏

فقال له ابن الشيخي‏:‏ ارجع وأنا غداً عند السلطان بألفي دينار‏.‏

فعاد ابن عبادة وأعلم السلطان بذلك فسر سروراً كبيراً‏.‏

وقدم الوزير بالمبلغ وقدمه للسلطان‏.‏

فاستروح السلطان معه بالكلام وشكا إليه ما هو فيه من ضيق مع الأمراء فوعده بأن مصير الأمر إليه وقوى قلبه وشجعه على الفتك بالأمراء وهون عليه أمرهم وقام وقد حفظ عليه الجمدارية ما قاله في حق الأمراء‏.‏

وعاد السلطان إلى القلعة وقدم الوزير من الإسكندرية بمال كثير وكساو جليلة وشكا إلى الأمير بيبرس نائب الإسكندرية‏.‏

وقدم الخبر من الأردو بأنه قد جرد مقدم اسمه قبرتو ليقيم بديار بكر عوض جنكلي ابن البابا المهاجر إلى الإسلام‏.‏

فكتب نائب الشام مطالعة بذلك وفيها‏:‏ أتى من بلاد المشركين مقدم تعالن لما أن دعوه قبرتوا وإني لأرجو أن يجىء عقيبها بشير لنا أن اللعين قبرتوا وبلغ النيل ستة عشر ذراعاً وستة عشر أصبعاً بعدما توقف وتحسنت الغلال‏.‏

مات في هذه السنة عز الدين أيبك الحموي وكان من مماليك المنصور نائب حماة فطلبه منه الملك الظاهر بيبرس هو وأبو خرص فيسرهما إليه فأمرهما ثم ولي الأشرف خليل أيبك هذا نيابة دمشق بعد سنجر الشجاعي وعزله العادل كتبغا بغرلوا‏.‏

ولي صرخد ثم حمص وبها مات في تاسع عشر شهر ربيع الآخر‏.‏

ومات الأمير بيبرس التلاوي في تاسع شهر رجب وكان يلي شد دمشق - وفيه ظلم وعسف - مدة سنة وسبعة وأربعين يوماً منها أيام مرضه حتى هلك سبعة أشهر واستقر عوضه في ومات القان إبل خان معز الدين غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طولوي ابن جنكزخان ببلاد قزوين في ثاني عشر شوال وحمل إلى تربته خارج توريز‏.‏

وكان جلوسه على تخت الملك في سنة ثلاث وتسعين وستمائة وأسلم في سنة أربع وتسعين وستمائة ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس ففشا الإسلام بذلك في التتار وأظهر غازان العدل وتسمى بمحمود وملك العراقين وخراسان وفارس والجزيرة والروم وتسمى بالقان وأفرد نفسه بالذكر في الخطبة وضرب السكة باعه دون القان الأكبر وطرد نائبه من بلاده و لم يسبقه أحد من آبائه إلى هذا فاقتدى به من جاء بعده وكان أجل ملوك بيت هولاكو إلا أنه كان ييخل بالنسبة إليهم‏.‏

ومات شمس الدين سلمان إبراهيم بن إسماعيل الملطي الدمشقي الحنفي أحد نواب الحكم بدمشق والقاهرة وكان ديناً مباركاً‏.‏

ومات علاء الدين على بن عبد الرحيم بن مراجل الدمشقي والد الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل في سادس عشر ذي القعدة بدمشق وقدم إلى القاهرة سنة إحدى وسبعمائة وكان ماهراً في الحساب أديباً فاضلاً‏.‏

ومات زين الدين عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فيع بن الحسن الفارقي الشافعي في حادي عشرى صفر بدمشق ومولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وقد درس الفقه وخطب بجامع بنى أمية قبل موته بتسعة أشهر فولى الخطابة بعده صدر الدين محمد بن الوكيل المعروف بابن المرحل فلم ترض الناس به فولى شرف الدين القزاري ومات فتح الدين أبو محمد عبد الله بن الصاحب عز الدين محمد بن أحمد بن خالد ابن محمد القيسراني بالقاهرة يوم الجمعة خامس عشرى شهر ربيع الآخر ومولده في سنة ثلاث وعشرين وستمائة وقد وزر جده الموفق خالد للملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وولى الفتح هذا وزارة دمشق ثم صرف عنها وقدم إلى القاهرة وباشر توقيع الدست بقلعة الجبل وعني بالعلم وله تصانيف ونظم حسن‏.‏

ومات نصير بن أحمد بن على المناوي المعروف بالنصير الحمامي الأديب البارع في‏.‏

ومات الشريف أبو فارس عبد العزيز بن عبد الغني بن سرور بن سلامة المنوفي أحد أصحاب الشيخ أبي الحجاج الأقصري - ويقال إنه شريف حسني - في ليلة الإثنين خامس عشر ذي الحجة بمصر عن مائة وعشرين سنة وهو صحيح الأعضاء سليم الحواس رصين العقل وله ديوان شعر‏.‏

ومات الأمير بكتمر السلاح دار الظاهري في‏.‏